سورة الرحمن - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49)}
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} قال الحسين وقتادة: لا يسألون عن ذنوبهم، لأن الله سبحانه علمها منهم وحفظها عليهم، وكتبت الملائكة عليهم، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وعنه أيضاً لا يسأل الملائكة المجرمين؛ لأنهم يعرفونهم بسيماهم، دليله ما بعده، وإلى هذا القول ذهب مجاهد، وعن ابن عباس أيضاً في قوله سبحانه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا؟، وقال عكرمة أيضاً: مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها، وعن ابن عباس أيضاً: لا يسألون سؤال شفاء وراحة، وانما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ، وقال أبو العالية: لا يسأل غير المذنب عن ذنب المجرم.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ} وهو سواد الوجه وزرقة العيون {فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام} فيسحبون إلى النار ويقذفون فيها ثم يقال لهم: {هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون} المشركون. {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} قد انتهى خبره، وقال قتادة: آني طبخه منذ خلق الله السماوات الأرض، ومعنى الآية أنهم يسعون بين الجحيم وبين الحميم.
قال كعب الأحبار: {آن} وادي من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم وهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تخلع أوصالهم، ثم يخرجون منها وقد أحدث الله سبحانه لهم خلقاً جديداً، فيلقون في النار فذلك قوله سبحانه: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أي مقامه بين يدي ربّه، وقيل: قيامه لربه، بيانه قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} [المطففين: 6]، وقيل: قيام ربّه عليه، بيانه قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] قال إبراهيم ومجاهد: هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها من مخافة الله. قال ذو النون: علامة خوف الله أن يؤمنك خوفه من كل خوف، وقال السدّي: شيئان مفقودان الخوف المزعج والشوق المقلق.
{جَنَّتَانِ} بستانان من الياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، ترابهما الكافور والعنبر وحمأتهما المسك الأذفر، كل بستان منهما مسيرة مائة سنة، في وسط كلّ بستان دار من نور.
قال محمد بن علي الترمذي: جنة بخوفه ربّه، وجنّة بتركه شهوته. قال مقاتل: هما جنّة عدن وجنّة النعيم، وقال أبو موسى الأشعري: جنّتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «هل تدرون ما هاتان الجنتان؟، هما بستانان في بساتين، قرارهما ثابت، وفرعهما ثابت، وشجرهما ثابت».
وأخبرني عقيل إجازة قال: أخبرنا المعافى قراءة قال: أخبرنا محمد بن جرير الطبري قال: حدّثني محمد بن موسى الجرشي قال: حدّثنا عبد الله بن الحرث القرشي قال: حدّثنا شعبة بن الحجاج قال: حدّثنا سعيد الحريري عن محمد بن سعد عن أبي الدرداء قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق؟، قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء».
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} قال ابن عباس: ألوان، وواحدها فن وهو من قولهم: افتنّ فلان في حديثه إذا أخذ في فنون منه وضروب، قال الضحاك: ألوان الفواكه. مجاهد: أغصان وواحدها فنن. عكرمة: ظل الأغصان على الحيطان. الحسن: ذواتا ظلال، وهو كقوله: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30]. قال الضحاك أيضاً: ذواتا أغصان وفصول. قال: وغصونها كالمعروشات تمسّ بعضها بعضاً، وهي رواية العوفي عن ابن عباس. قال قتادة: ذواتا فضل وسعة على ما سواهما. قال ابن كيسان: ذواتا أصول.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} قال ابن عباس: بالكرامة والزيادة على أهل الجنة، وقال الحسن: تجريان بالماء الزلال، إحداهما التسنيم والأُخرى السلسبيل.
عطية: إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين، وقيل: إنهما تجريان من جبل من مسك، وقال أبو بكر محمد بن عمر الورّاق: فيهما عينان تجريان لمن كانت له في الدنيا عينان تجريان بالبكاء.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} صنفان.
قال ابن عباس: ما في الدنيا ثمرة حلوة أو مرّة إلاّ وهي في الجنة حتى الحنظل إلاّ أنه حلو.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ} حال {عَلَى فُرُشٍ} جمع فراش {بَطَآئِنُهَا} جمع بطانة {مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} وهو ما غلظ من الديباج وحسن، وقيل: هو أَستبر معرب.
قال ابن مسعود وأبو هريرة: هذه البطائن فما ظنّكم بالظهائر؟، وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من استبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله سبحانه: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].
وعنه أيضاً قال: بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد، وقال الفرّاء: أراد بالبطائن الظواهر.
قال المؤرخ: هو بلغة القبط، وقد تكون البطانة ظهارة والظهارة بطانة؛ لأن كل واحد منهما يكون وجهاً، تقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء للذي يراه، وقال عبد الله ابن الزبير في قتلة عثمان: قتلهم الله شرّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب، يعني هربوا ليلا، فجعل ظهور الكواكب بطوناً.
قال القتيبي: هذا من عجيب التفسير، وكيف تكون البطانة ظهارة، والظهارة بطانة؟ والبطانة من بطن من الثوب، وكان من شأن الناس إخفاؤه، والظهارة ما ظهر منه، ومن شأن الناس إبداؤه، وهل يجوز لأحد ان يقول لوجه المصلي: هذا بطانته، ولما ولي الأرض: هذا ظهارته، لا والله لا يجوز هذا، وانما أراد الله سبحانه وتعالى ان يعرّفنا لطفه من حيث يعلم فضل هذه الفرش، وأن ما ولي الأرض منها إستبرق، وإذا كانت البطانة كذلك فالظهارة أعلى وأشرف، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه الحلّة» فذكر المناديل دون غيرها؛ لأنها أحسن ويصدّق قول القتيبي ما حكيناه عن ابن مسعود وأبي هريرة، والله أعلم.
{وَجَنَى الجنتين} ثمرهما {دَانٍ} قريب يناله القائم والقاعد والنائم {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف} غاضات الأعين، قد قصر طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ولا يردن غيرهم، قال ابن زيد: تقول لزوجها: وعزّة ربي ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك، فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجك. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لم يجامعهنّ ولم يفترعهنّ، وأصله من الدم، ومنه قيل للحائض: طامث، كأنه قال لم يُدمِهن بالجماع. {إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ}. قال مجاهد: إذا جامع الرجل ولم يسمِّ انطوى الجانّ على إحليله فجامع معه فذلك قوله سبحانه: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} أي لم يجامعهن، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا امرأة ماتت بجمع لم تطمث دخلت الجنة» وقال الشاعر:
دفعن اليّ لم يُطمثن قبلي *** وهن أصح من بيض النعام
قال سهل: من أمسك طرفه في الدنيا عن اللذات عُوّض في الآخرة القاصرات، وقال ارطأة بن المنذر سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن من ثواب؟ قال: نعم، وقرأ هذه الآية، قال: فالإنسيّات للإنس والجنيّات للجنّ.
{كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} قال قتادة: صفاء الياقوت في بياض المرجان.
أخبرنا الحسن بن محمد قال: حدّثنا هارون بن محمد بن هارون قال: حدّثنا حازم بن يحيى الحلواني قال: حدّثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدّثنا عبيدة بن حميد عن عطاء بن السائب عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة من أهل الجنّة ليُرى بياض ساقها من سبعين حلّة حتى يرى مخّها، إن الله سبحانه وتعالى يقول: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته من ورائه».
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلّة فيرى مخّ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان}، {هل} في كلام العرب على أربعة أوجه:
الأول: بمعنى قد كقوله: {هَلْ أتى} [الدهر: 1] و{هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1].
والثاني: بمعنى الاستفهام، كقوله سبحانه: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} [الأعراف: 44].
والثالث: بمعنى الأمر، كقوله سبحانه: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].
والرابع: بمعنى {ما} الجحد، كقوله سبحانه: {فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} [النحل: 35]، و{هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان}.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة وابن حمدان والفضل بن الفضل والحسن بن علي ابن الفضل قالوا: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام قال: حدّثنا الحجاج بن يوسف المكتب قال: حدّثنا بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} قال: «هل تدرون ما قال ربكم عزّوجل؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلاّ الجنّة».
وحدّثنا أبو العباس بن سهل بن محمد بن سعيد المروزي لفظاً بها قال: حدّثنا جدي أبو الحسن محمد بن محمود بن عبيد اللّه، قال: أخبرنا عبد اللّه بن محمود، قال: حدّثنا محّمد بن مبشر، قال: حدثنا إسحاق بن زياد الأبلي قال: حدّثنا بشر بن عبد اللّه الدارمي، عن بشر بن عبادة عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: سمعت ابن عمر وابن عباس يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} يقول الله سبحانه: هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلاّ أن أُسكنه جنّتي وحظيرة قدسي برحمتي».
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عبدالملك بن محمد بن عدي قال: حدّثنا صالح بن شعيب الخواص ببيت المقدس قال: حدّثنا عبيدة بن بكار قال: حدّثنا محمد بن جابر اليمامي عن ابن المكندر {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} قال: هل جزاء من أنعمت عليه بالاسلام إلاّ الجنّة، وقال ابن عباس: هل جزاء من عمل في الدنيا حسناً، وقال: لا إله إلاّ الله، إلاّ الجنّة في الآخرة، هل جزاء الذين أطاعوني في الدنيا إلاّ الكرامة في الآخرة، وقال الصادق: «هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلاّ حفظ الإحسان عليه إلى الأبد»، وقال محمد ابن الحنفية والحسن: هي مسجلة للبر والفاجر للفاجر في دنياه وللبرّ في آخرته.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَمِن دُونِهِمَا} يعني: ومن دون الجنتين الأُولتين {جَنَّتَانِ} أُخريان، واختلف العلماء في معنى قوله: {وَمِن دُونِهِمَا}، فقال ابن عباس: ومن دونهما في الدرج، وقال ابن زيد: ومن دونهما في الفضل، قال ابن زيد: هي أربع: جنتان للمقرّبين السابقين فيهما من كلّ فاكهة زوجان، وجنّتان لأصحاب اليمين والتابعين، فيهما فاكهة ونخل ورمان، وقال أبو معاذ الفضل بن يحيى: أراد غيرهما؛ لأنهما دون الأُوليين، وقال الكسائي: يعني أمامهما وقبلهما، كقول الشاعر:
رب خرق من دونها يخرس السفر *** وميل يفضي إلى أميال
أي قبل الفلاة الأُولى، ودليل هذا التأويل قول الضحاك: الجنتان الأُوليان من ذهب وفضة، والأُخريان من ياقوت وزمرد، وهما أفضل من الأُوليين.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَآمَّتَانِ} ناعمتان سوداوان من ريّهما وشدّة خضرتهما؛ لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد، قال ذو الرمّة:
كسا الأكم بهمي غضة حبشية *** تواماً ونقعان الظهور الأقارع
فجعلها حبشية لما اشتدّت خضرتها، وقيل ملتقيان.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} ممتلئتان قبّاضتان فوّارتان بالماء لا ينقطعان، وقال الحسن بن أبي مسلمد ينبعان ثم يجريان، وقال ابن عباس: تنضحان بالخير والبركة على أهل الجنة، وقال ابن مسعود: تنضخان على أولياء الله بالمسك والكافور. سعيد ابن جبير: نضاختان بالماء وألوان الفواكه. أنس بن مالك: تنضخ المسك والعنبر في دور أهل الجنة كما ينضخ طش المطر، وأصل النضخ الرش، وهو أكثر من النضخ.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.


{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}
{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} كأنما أعاد ذكر النخل والرمان وهما من حملة الفاكهة للتخصيص والتفضيل، كقوله: {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وقوله: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض} [الحج: 18] ثم قال: {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس} [الحج: 18] وقوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} [الأحزاب: 7].
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة، قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا سحاب بن الحرث قال: أخبرنا علي بن مسير عن مسيعر عن عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة قال: إن نخل الجنّة نضدها ما بين أصله إلى فرعه، وثمره كأمثال القلال، كلّما نُزعتْ عادت مكانها أُخرى، العنقود منها اثنا عشر ذراعاً، وأنهارها تجري في غير أُخدود.
قال: قلت: من حدّثك؟ قال: أما إنّي لم اخترعه، حدّثني مسروق.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كجلد البعير المقتب، وإذا طيرها كالبخت، وإذا فيها جارية، قلت: يا جارية، لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة، وإذا في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قال الكسائي: ذكر الله سبحانه وتعالى الجنتين والجنتين ثم جمعهن فقال: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قرأ العامة بالتخفيف، وقرأ أبو رجاء العطاردي {خيّرات} بتشديد الياء.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن خنيس قال: حدّثنا ابن مجاهد قال: حدّثنا الصاغاني قال: حدّثنا عبدالله بن أبي بكر عن أبيه أنه قرأ {فيهن خيّرات} بالتشديد، وهما لغتان مثل هين وهيّن، ولين وليّن.
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا أحمد بن عبدالرَّحْمن ابن وهب قال: حدّثنا محمد بن الفرج الصدفي عن عمرو بن هاشم عن ابن أبي كريمة عن هشام ابن حسان عن الحسن عن أُمه عن أُم سلمة قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله سبحانه: {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قال صلى الله عليه وسلم: «خيرات الأخلاق حسان الوجوه».
وقال الحسن: خيرات فاضلات. إسماعيل بن أبي خالد: عذارى. جرير بن عبد الله: مختارات.
وقال المفسّرون: خيرات لسنَ بذربات ولا ذفرات ولا نجرات ولا متطلّعات ولا متشوّقات ولا متسلطات ولا طمّاحات ولا طوّافات في الطرق، ولا يغرن ولا يؤذين.
وأخبرنا الحسين قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا حامد بن شعيب البخلي قال: حدّثنا سريح بن يونس قال: حدّثنا مسلم بن قتيبة عن سلام بن مسكر عن قتادة عن عقبة بن عبدالغّفار قال: نساء أهل الجنة يأخذ بعضهن بأيدي بعض ويتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها: نحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن خيرات حسان حُبينا لأزواج كرام.
وروى الأسود عن عائشة رضي الله عنها: أن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابتهنّ المؤمنات من نساء الدنيا: نحن المصلّيات وما صلّيتن، ونحن الصائمات وما صمتنّ، ونحن المتوضّئات وما توضأتنّ، ونحن المتصدّقات وما تصدقتنّ. قالت عائشة: فغلبتهنّ والله.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} محبوسات مستورات في الحجال. يُقال للمرأة: قصيرة وقصورة ومقصورة إذا كانت مخدّرة مستورة لا تخرج.
قال الشاعر:
وأنت التي حببتِ كل قصيرة *** إليّ وماتدري بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد *** قصار الخطى شر النساء البحاتر
الراجز.
وقيل: قُصر بهنَّ على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلا.
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن شاذان، حدّثنا القطان، حدّثنا ابن حسان حدّثني نصر العطار، أخبرنا عمر بن سعد عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها».
{فِي الخيام} جمع الخيم، قال ابن مسعود: لكل زوجة خيمة طولها ستون ميلا، وتصديق هذا التفسير، ما أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا ابن شنبة، حدّثنا الفراتي، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا همام بن يحيى عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عبد أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون».
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن يحيى بن طلحة اليربوعي، حدّثنا فضل بن عياض، عن هشام عن محمد عن ابن عباس في قوله: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} قال: الخيمة لؤلؤة واحدة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.
أخبرني الحسين، حدّثنا عبد الله بن [....] حدّثنا [....] أبو شعيب عبدالله بن الحسن الحراني، محمد بن موسى القرشي، حدّثنا حماد بن هلال السكرّي، حدّثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مررت ليلة أسري بي بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت منه: السلام عليك يا رسول الله.
فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جوار من الحور العين استأذنَّ ربهنَّ في أن يسلّمن عليك فأذن لهن، فقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نيئس أبداً ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً أزواجُ رجال كرام ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام}, قال: محبوسات».
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يمسسهن {إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} قرأه العامة بكسر الميم وهي إختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وقرأ أبو يحيى الشامي وطلحة بن مصرف: بالضم فيهما، وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى مخيّراً في ذلك، والعلة فيه ما أخبرني أبو محمد شيبة بن محمد المقري، أخبرني أبو عمرو محمد بن محمد بن عبدوس حدّثني ابن شنبوذ أخبرني عياش بن محمد الجوهري، حدّثنا أبو عمر الدوري عن الكسائي قال: إذا رفع الأول كسر الآخر، وإذا رفع الآخر كسر الأول. قال: وهي قراءة أبي إسحاق السبيعي. قال: قال أبو إسحاق: كنت أصلي خلف أصحاب علي بن أبي طالب فأسمعهم يقرؤون {يطمثهن} بكسر الميم، وكان الكسائي يقرأ واحدة برفع الميم والأخرى بكسر الميم؛ لئلا يخرج من هذين الأثرين، وهما لغتان.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} قال سعيد بن جبير: هي رياض الجنة خضر مخضّبةٌ. وروي ذلك عن ابن عباس. واحدتها رفرفة والرفارف جمع الجمع.
وروى العوفي عن ابن عباس قال: الرفرف: فضول المجالس البسط. عيره عنه: فضول الفرش والمجالس. قتادة والضحّاك: محابس خضر فوق الفرش.
الحسن والقرظي: البسط. ابن عيينة: الزرابي. ابن كيسان: المرافق وهي رواية.
قتادة عن الحسن وأبو عبيدة: حاشية الثوب وغبره: واكل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف.
قال ابن مقبل:
وإنا لنزّالون نغشى نعالنا *** سواقط من أصناف رَيط ورفرف
{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} وهي الزرابي والطنافس الثخان وهي جمع، واحدتها عبقرية. وقد ذكر عن العرب أنها تسمى كل شيء من البسط عبقرياً.
قال قتادة: العبقري عتاق الزرابي، وقال مجاهد: هو الديباج.
أبو العالية: الطنافس المخملّة إلى الرقة مَا هِي.
الحسن: الدرانيك يعني الثخان، القتيبيّ: كل ثوب موشى عند العرب عبقري.
قال أبو عبيد: هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي.
قال ذو الرمّة:
حتى كأن رياض القف ألبسها *** من وشي عبقر تجليل وتنجيد
قال: ويقال: إن عبقر أرض يسكنها الجن.
قال الشاعر زهير:
بخيل عليها جنة عبقرية *** جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا
وقال قطرب: ليس هذا بمنسوب. وكل جليل فاضل فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب عبقري، ومنه الحديث في عمر: فلم أرّ عبقرياً يفري فرّيه.
حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل بقراءتي عليه، أخبرنا أبو العباس الأصم، حدّثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني، حدّثنا الحسين بن محمد، ح.
وأخبرني الحسين، حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن ناصح، حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمد الزوزني الأرطباني وهو ابن عم عبدالله بن عون عن عاصم الجحدري عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {متكئين على رفرف خضر وعباقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} بالواو، شامي وكذلك هو في مصاحفهم.
الباقون: {ذي الجلال والإكرام}.

1 | 2